الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. أما بعد:
من المقطوع به شرعاً أن اختلال واقع الأمة، إنما هو يعبر عن تلك المسافة التي وصلت إليها الأمة من اختلال المفاهيم والمقاصد الشرعية..
والقرآن الكريم يقرر هذه الحقيقة.. فإن الذين جعلوا مع الله شريكاً هم الذين قالوا على سبيل الاستغراب والإنكار: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً...} [ص: 5].
والذين أنكروا البعث هم الذين قالوا: {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} [الصافات:16]!!..
مع أن الواقع يقرر هذه الحقيقة.. أعني حقيقة البعث بعد الموت، كابتداء الخلق وإحياء الأرض بعد موتها.
وهذا يعطينا دلالة أخرى ألا وهي أن خطاب العقل لا يكفي لإصلاح ما اعوج في مسيرة الأمة، بل لا بد مع ذلك من تصحيح مفاهيمها الشرعية..
ما أردته من هذه المقدمة هو إذكاء النظرة الشرعية تجاه التقنية الحديثة من: قنوات، وإنترنت، وجوالات البلاك بيري، ونحو ذلك من الوسائل..
إن غياب النظرة الشرعية تجاه هذه التقنية هو الذي أوصل مجتمعات المسلمين إلى ذلك التردي الأخلاقي، حتى إن مقاطع الفحش تحفل بارتياد الملايين لمشاهدتها!.. وواقع الحال ينبئ عن المقال!!..
لست في مقام التحليل والتحريم.. وكيف لي أن أفعل؟!.. وأنا أزف لكم هذه الكلمات من خلال أخطر أعمدة هذه التقنية!!..
ولكن ذلك لا يبيح لنا بأي حال من الأحوال تجاهل مغبة خطورة التساهل في اقتنائها.. وذاك لعمر الله جناية على النفس وعلى المجتمع!..
إن نظرة فاحصة في قاعدة سد الذرائع توقظ الأمة من مغبة تمكين سفهاء الأمة من هذه الأجهزة، مع الغفلة التامة عن التوجيه والمتابعة إن اقتضى الأمر وجودها بين أيديهم، والسلامة لا يعدلها شيء..
إن القرآن الذي حذر من مغبة إتيان السفهاء أموالهم التي استحقوها شرعا؛ خشية إضاعتها، أو صرفها في أمور قد تعود عليهم بالضرر..
أقول القرآن الذي ينبه على هذه القضية.. يُنزَّه أن يغفل عن التنبيه عن اقتناء ما يلحق الضرر بالأفكار، والأخلاق..
فإن مراعاة طب القلوب مقدم على طب الأبدان، كما أشار إلى ذلك الإمام مالك رحمه الله..
أنا لا أنكر جوانب الخير في هذه التقنية، ولكن المتقرر شرعاً يدل على أن جانب الخير إذا أفضى إلى مفسدة وجب اجتنابه..
ولنا في قول الله تعالى منهج واضح لا ينبغي أن نحيد عنه.. قال تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108].
فسب آلهة المشركين قربة وعبادة، لكن لما كان ذلك يفضي إلى سب الله تعالى جاء التحذير منه، إنني أعجب أشد العجب من ذلك السكوت المطبق تجاه هذه التقنية.
وتجاهل التقعيد الشرعي الذي يجب أن يكون مصاحبا لاستعمالها، كيف لا يكون ذلك مثاراً للعجب وهي تفتك بأغلى ما تملك الأمة من خلال القضاء على أخلاق الأمة، وعفتها!!..
إننا إذا أردنا أن ندرك حجم التضحية التي نقدمها تبعا للاستهانة بهذه التقنية، فلنتأمل سورة النور، وعلى وجه الخصوص بداية السورة.
إن من يتأمل كتاب الله يجد أنه يستخدم أسلوب التكنية فيما يستقبح.. لكن هنا جاء الأمر على غير العادة {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ} [النور: 26].
ومن عادة القرآن كذلك أنه يبدأ بذكر الوسائل قبل المقاصد، حال التنبيه على أمر يراد النهي عنه، لكن الأمر جاء على غير العادة كذلك، كل ذلك للتنبيه على خطورة هذه القضية!!..
فكيف نغفل عن هذه القضية الهامة في حياتنا بعد هذا؟!..
لذا كان لزاما علينا أن نعيد النظر في تمكين من لا يحسنون التعامل مع هذه التقنية منها، وللعقلاء يجب أن يكون لهم نصيب من هذا التأمل؛ حتى لا ينزلقوا في مهاوي الردى..
فإن في قول الله تعالى: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً} [النساء: 28] إشارة لبيان ضعف الإنسان الجبلي.
وفي ذلك إرشاد بألا يغرر الإنسان بنفسه فيلقي بها في مواطن الشهوات، ثقة بعلمه ودينه!.. فمن حام حول الحمى أوشك أن يرتع فيه.. فالحذر الحذر!!.. والله أعلم.
الكاتب: الشيخ خالد الصقعبي
المصدر: موقع المسلم